السبت، 30 أبريل 2011



لأنّي أحبها .. يتكوّم الحديث مطراً على شفتي ، ولا يليق بها غير أنّي أحبّها ..

لأنّي لا أدري كيف كان ليكون ذلك القلب لو لم تكن فيه ، لأنها ملائكية ، لأنها تزرع في قلبي الياقوت ، ولأنّ كل الأشياء التي تلمسها بيديها النورانيّة تتحول لـ جنّة ..
كلّ التفاصيل التي تمتد إليها يديها برفق ، تصيّر قلبي عصفوراً صغيراً يجرّب أن يطير لأوّل مرة .. يسقط في السماء دون أن يغمض عينيه !

حتى اليوم .. مجرّد استشعار الجمال الذي تحدثينه بيديك يأخذني إلى مكان آخر ، إلى دوخة محببة للنفس ، إلى شعور لن يدركه أهل الأرض جميعاً !
ذلك الارتجاف اللذيذ ، ذلك الحنين العاصف بنا ، الذي أقف فيه بين أن أغمض عيني وأسقط معك تماماً ، أو أن أحدق في الأشياء والأرواح التي تحوم حولنا بضبابية .. وأشد على رئتي ، لئلا يكون الهواء الذي يلامسك دافئاً أكثر من العادة .. لئلا تدركي أني وقعت في سطوتك وانتهيت ، وأني أشعر بالدوخة … وأنّي أحبّك !

أنا مريضة بك .. لدرجة أعجز فيها أن أنظر إلى عينيك وأنت تمسكين يدي ، لدرجة تدفعني إلى البكاء حين تشدين عليها برفق ، وكأن أصابعك تخبرني أنّك تحبيني ، وأني أثيرة لديك ، وأنّ نصف ابتسامتك هي الدنيا ..
مريضة بك لـ درجة أستشعر فيها كلّ تفاصيل احتضانك وأقدّسه ، لدرجة أني أجمع أنفاسك التي تتساقط عليّ .. لأكون قادرة على تذكر كلّ شيء حين أستيقظ منك ..



الثلاثاء، 26 أبريل 2011



وتأتيني من ذاك الغياب الأسود الذي ابتلعك .. 
أشبه بـ نـور ، تملي عليّ حديثي المرهق القادم بصوت الراحلين الرخيم .. وكأنّ الحديث للأموات ، والحزانى ، والأصدقاء البعيدين .. اشتهاء محض !
وأشعر بالمرارة .. لأنك كنت جميلاً .. جميلاً جداً ، كصوت عذبٍ غير اعتيادي ، يمسّ قلبك فتودّ بعد أن ينهي حديثه أن تغمض عينيك وتضع يديك على أذنيك وتمضي ، كـ عمر جميل .. لم أعد أرغب في العيش عمراً آخر بعده !

- اكتبي لي .. 
- عن ماذا ؟!
- عن الموت ، عن الهزائم وخيبات الأصدقاء ، عن الدهشة ، والسماء والمطر .. كلّ شيء ، فقط اكتبي !

ذلك لأنا اعتدنا الجفاف ، ولأنّ الأشياء لم تكن يوماً برداً وسلاماً !
لأنّي أقف على عتبته ، وأراه ، ولا يريدون تصديق أني أستطيع رؤيته "بل أني ألفتُ وجهه" ..
لأنّ كلّ الأشياء الصغيرة المستفزّة ، التي تدفعني للجنون والأرق المحبّب وحتى الصراخ ، الأشياء التي تجعل أطرافي باردة ، وقلبي موجوع بـ لذّة ! كلّ تلك الأشياء مرتبطة بك .. وكلها تعود من أجلك ، وتتكون لك !
حتى أولئك الذين أتقاطع معهم ، أدرك فيما بعد أنهك كانوا أصدقاءاً لك في حياة أخرى ..

اليوم أريد أن أكتب لـ أصدقائي ، رسائل مقننة .. أدسها من تحت أبوبابهم ، في قلوبهم ، فوق أحزانهم تماماً ..
أصدقائي الذين تقاطع معهم الموت كثيراً ، منذ الفرح الأخير ، منذ اللحظة الأخيرة التي ابتسمنا فيها معاً ، وأضاء الكون بلون البنفسج ..
أولئك الأصدقاء الذين فرشوا أمامهم خرائط كبيرة ، مدوا أيديهم بسخاء ووضعوا قلبهم تماماً حيث كنت ، حزينة في عمرٍ مضى !
أصدقائي الذين حين يحدثونني .. أسمع البكاء الثقيل كحجر يتحرك في جيوبهم ، وأرى الحزن يطل من ياقاتهم ! رغم أنه مضى عمر .. عمر على الموت الذي تعثر بنا !

تعرفين كيف يغدو الشعور حين تتوهين في هذا العالم المخيّب للآمال ؟!
أنا لا أدرك سوى أنّي كبرت لـ درجة مقيتة ، وأنّي أضع قدمي على قطعة خشبية عتيقة ، باهتة .. وبأنّ شيئاً ما مرّ من أمامي مسرعاً .. مسرعاً لدرجة تطاير معه شعري ، وشعرت بالوجع في قلبي .. شيئاً ربما كان عمري !



* الآن سأخبرك بأمر .. لأنّ حديث العمر بيننا متعب ! 
أنا خائفة ، وحزينة ، وقلقة جداً من حزنك القادم ! من حزنك الذي أتخيله وأدرك جيداً بأنه سيأتي .. ولا أدرك أيهما أكثر أنانية ! أن أعتذر منك مسبقاً عن حزن لن يكون لي يدٌ فيه ، أم أني أتمنى في سرّي أن يحدث ويوجعك بينما لا نزال أصدقاء ،
"
ربّما لأني سأضع يـدي في يديك حتى تبتسمين من جديد ، وإن سرق ذلك الحزن عمري الآخر" ..


- تعال يا صاحبي نلوّن الطريق المؤدية إلى الموت ،
- هكذا يصبح موتي مدهشاً .. عانقيني !

الأحد، 10 أبريل 2011

.



الآن بعد أن أصبح صاحبنا قريباً من الله "أو هكذا يظنّ" .. انقشعت الغشاوة عن عينيه وسقطت بين يديه ، ليست الغشاوة التي تمنعه من الرؤية ! تلك الغشاوة التي كانت تحرمه بوحشية من البكاء ..
ذلك اليوم .. بكى عمره المهدر على بقع الضوء التي كان يتسوّل الحبّ تحتها ويحيك لقلبه ما يواري سوأته ، بكاؤه كان مواتياً للنور الذي تسلل لعينيه دون أن يدرك أن ليله قد ولى ، وأن النور "والنور فقط" يغشاه الآن .. نـور أبـيض لدرجة أنه سيغمض عينيه البنيتين دون شعور منه .. أبيض لدرجة أنه لن يقدر عليه !

المثير للشفقة أنه كان يخبئ وجهه بين يديه ويبكي ، لم يدرك أنه سجين ، لم يدرك أنه متورط بهذا الظلام وحده ! وألا أحد يسمع ذلك البكاء أو يكترث به ..
لم يدرك أن أصحابه غابوا في أحد البقع التي غشيها الظلام ، أو أنهم تبدلوا ، أو أنّ الموت أخذهم منه .. كلّ الذي كان يدركه أن ليس ثمة أصحاب في قلبه ، ليس ثمة وجوه يمكنك الاحتفاظ بها من طفولتك حتى تشيخ ويتجعّد وجهك ، لتخرجها وتنظر إليها كلّما قضم منك الحزن ، فتخرجُ لكَ قلبها وتدسّه في صدرك .. ليس ثمة وجه هكذا !
حتى النور الذي يغشاه الآن ، يختلف .. لم يدرك أنها حياة أخرى "أو ربما موت آخر" ، ذلك أنه لم يشأ أن يسيء الظنّ بظنه .. لم يشأ أن يأوّل المطر الذي تساقط على قلبه من حيث لا يعلم ، الصوت العميق الذي يخبره بأنه سيصبح له أصدقاء في الجنة .. غير أولئك الذين غابوا عنه !



* صاحبنا آنف الذكر ، بعد أن أتمم غسل قلبه “أو هكذا يظنّ” .. حفر حفرة عميقة تحت صندوق رسائله ، ونام .. إلا أن الرسائل ظلت تسقط على رأسه !