الثلاثاء، 14 ديسمبر 2010

كأنها تُـنتزع ،

هو فقط يشعر بأن دمه أصبح بارداً !
هو فقط يقف ويمدّ يده فتخرج بيضاء .. يجرها أبعد ما يكون عن وجهه المرتعب ، وينظر إليها وهو يفكر في أيهما سيكون أسوأ ؟! أن يكون ميتاً ؟! أو أن يكون هذا أحد الأحلام النورانية التي يراها كثيراً مؤخراً ؟!
هو فقط يجمع الهواء المحيط برئتيه ، يملؤ به صدره ، وينحني لـ ينفخه أمام قلبها الذي يشعر بالخوف ..
يظنّ أنّ التنصّل من الموت قد يصبح بهذه السهولة !

الكثـير من الأشياء هنا باردة .. لدرجة أنّ الحياة تبدو كأنها راحلة من قلـوبهم عمّا قريب ، أو كأنهم عائدون من الموت ، أو ربّما كأن أحدهم يحاول أن يمنح حياته للآخر ، لأن حياته لا تليق به ، ولا تروقه ! لأنّ كلّ الحيوات لا تكون مكتملة إلا بالأشياء الصغيرة التي يمنحها أحدهم للآخر "ولو عن طريق الصدفة" ..
لأن ثمّة وجه تراه جيداً "وإن كنت أعمى" ، ولأن أحدهم لا يزال قلبك معه .. لأنّ أحدهم سينظر إليك يوماً ما وينفخ في صدرك أعياداً كثيرة ..

كلّ المارّين هنا يحملون نفس الملامح ، نفس الذاكرة ، نفس الأصوات ونفس القلب ، كلهم لا يدركون وجع أن يموت صديقك أمامك ! أن يرحل من خلال موت مخيّر .. تصنعه لنفسك ثمّ لا تستطيع الرجوع إلى الحياة ! كأنّك تلمس الحياة من خلال زجاج سميك غاية في البرودة .. كأنك تنادي أولئك الأصدقاء ولا أحد منهم يلتفت ، لا أحد منهم يسمعك !
حتى إذا ما أدركت أن بينك وبينهم برزخاً ، مددت يدك فإذا هي زرقاء متجمد أطرافها !
من المثير للسخرية أن لا تزال تموت بينما أنت ميت أصلاً ! أن تظلّ ترى الكوابيس وتستيقظ فزعاً من نومك ، أن تشعر بالبرد ، أن يوجعك الحنين ، أن تبكي !
كلّهم أنظر لهم في "حياة" من خلال ذلك الزجاج ، لا أحد منهم يلتفت لي / لا أحد منهم يغضّ الطرف عن سوأة حزني ! وتغرق عيني وأنا أغصّ بحديث لهم : أنتم لا تفهمون !


لم التقينا الآن ؟!
بعد أن انكسرنا على ألف عكاز ، بعد أن وطأنا ألف قلب ، بعد أن تكدست فينا ألف ذاكرة ؟!
لم عادت كلّ الأشياء مرة واحدة ؟! في الوقت الذي ظننا فيه بأنا شفينا ، وأنا نجونا من الغرق في الأغنيات والرسائل والأشياء المجنونة !
لن أخبر أحداً بأني لا أزال أحبّك أكثر من أي شيء ، لن أخبرهم بأنّي في كلّ عيد أخبئ لك شيئاً من قلبي ، شيئاً ليس من حق غيرك أن يملأه بالفرح ! لن أخبرهم بأني كلّ شتاء أجمع الغيم وأكدّسه عند شباكي .. وأنتظر عصفوراً فيروزياً يتكون ليصبح طائراً صباحياً من أجلي ، لن أخبرهم عن الموت المخيّر ، وعن الرحيل الكلاسيكي ، والحزن العتيق !
كلهم لا يفهمون يا صديقي !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق