السبت، 13 أغسطس 2011

فيك شفـاء *


في قلبي لك حديث ليّن وموجع وطويل ..
حديث يأبى أن يكتمل ! يحمله لك الفرح المؤجل ، وأخبرك فيه أني نسيت بعدك كيف كان شكل الإنسان فيني !

أن يهاود الحنين فيني الفرح أن يحضرك من الغياب ، أن أزرع اليقين في أصابعي العشرة .. أنك ستمرّ من هنا ، أن أتصوّر أن الأعياد ستعود بك .. معناه أنّي أشعر بالفقر في غيابك !
قطع النور تتساقط من بين أيدينا ، وكأنّ تلك الحياة التي ألفناها غدت مظلمة ، والأشياء التي اعتدنا عليها أصبحت لا تُرى ! وأصبح الهمس في أذنك أصعب مما أقدر ! فـ بيني وبينك كلّ الذين أعرف والذين لا أعرف ! وكلّ أولئك الذين أحبّ والذين أكره ، فكيف أصلك ؟!
أنا أخاف إن حدثتك بكلّ ما سيكون ذلك الصباح أن لا تكون قد مررت فيني في حياة ، أن تكون كأحد أولئك الآباء المتخيّلين الذين يقسم الأيتام أنّهم يشتمّون رائحتهم ، أحد الأصدقاء الأوفياء الذين تترك أيديهم في قلوبنا نوراً ..
ذلك أنّ الحياة التي كانت مليئة بك كانت قصيرة وبعيدة ! وأنّ كلّ أصدقائي في تلك الحياة رحلوا إلا أنت ..
وأنا متّ بعدها ألف مرة ، أدركت حيوات أخرى كثيرة ، وفي كلّ حياة تعود إلي وجوه أكاد أميزها من حيث لا أدري ! إلا وجهك وحده لا يعود ! شكل فمك وعينيك وملامحك أصبحت أشبه بضباب يصيبني بالحيرة ، ولفرط ما بكى الفرح أمامي صرت أخالك شيئاً من رائحة الأعياد لا أكثر ! يد خفيّة تلمس يدي كلّ عيد لتخبرني : أني وطن ..

الكتابة إليك تغدو أكثر إيلاماً في كلّ مرة ، وكأنّ الأعياد دون رسائلي الطويلة إلى صاحبي الذي أظنّه متخيّلاً ليست سوى فرح ، الفرح الذي يأخذ منّا الكثير ، ولا يمنحنا إلا انحناءة زائفة على شفاهنا !
الكتابة إليك تعني أنّي لا زلت وطنك ، تعني أنّ الحياة التي جاءت بك لم تكن متخيّلة ، تعني أنّ أصابعي العشرة ستكون باردة هذا العيد أيضاً ، وأنّك ستمرّ من خلالها ، أنّ قطعة عيد بحجم السكّر ستنبت في قلبي ، وإنت كنت راحلة ..



لعلّ هذا الحديث يشفي !

الجمعة، 12 أغسطس 2011

قبل أوانه ،


الحديث المخبأ على طرف قلبي يتكوّن كـ فقاعة كبيرة ، تزداد هشاشة وزيفاً كلّما اقتربت منك خطوة ..

وأخشى أن أخبرك بالحديث المخبأ في قلبي ، أخشى أن تنفجر فقاعتي وأطير ، أو أقع فتلمسني كلّ تلك الأيدي الغريبة عني !
تلك الفقاعة تكبر في قلبي ، تدفعه إلى الجهة الأخرى ، ليبدو الوجع في الشقّ الأيسر لا معنى له ! سوى أني اعتدت أنّ قلبي كان هنا عمراً مضى ، سوى أنّي اعتدتك ، اعتدتك لا أكثر ، وأنّي "رغم كلّ هذا الرحيل" لا زلت مريضة بك !

الأشياء التي نظنّ أنها قد تجلب لنا السعادة قد لا تأتي ..
أنا وأنت ، وحدنا نعلم أنّ الأشياء االجميلة في هذا العالم لا تكتمل ، وأنّ الأعياد تأتينا مبتورة ، وأنّ الفرح يحتاج منّا الكثير ..
أنت الذي "رغم كلّ هذا الغياب" لم ترحل !
أنت الذي كنت قريباً كوطن ، ضبابياً كـ فرح .. أشبه بالأشياء المؤجلة ، بالوطن الموعودين به ، بالمنفى ، بالروح ..

لـ فرط غيابك ما عدت أعلم إن كان الموت أقرب إلينا من حبل الوريد !
ما عدت أعلم إن كانت رائحة الموت على وسادتي كابوساً أم أنّه مرّ من هنا والتقطهم !
أنت بعـيد ، وأنا سأغيب عن الأشياء التي اعتدتها ، سأغيب عن الأعياد ، عن الوطن ، وعن الأصدقاء ..
وأعدك .. لأننا نشبه بعضنا كثيراً ، بأن يكون ذلك الصباح كألف سنة مما يعدّون ..

الأحد، 7 أغسطس 2011



لأني كنت مغيّبة عن الحياة حين أتى ، كان امتداد يده مختلفاً تماماً عنّ كل تلك الايدي التي لامستني !
كأنّه لا يكتفي بـ روحٍ واحدة ! كأنه ينزع قطعاً هائلة من أرواحنا معه ويرحل ، يدع لنا جداراً رهيفاً من القلب ، نتكئ عليه في ظـلّ الحياة أو الموت "أيهما أقرب" !

كيف يمكن للأشياء ، والأصوات ، والأوجه أن تتحالف لتدفعنا إلى البكاء لهذه الدرجة ؟! أن يتآمر كلّ ما حولك بخبث لـ إفراغ قلبك إلا من الحزن !
كيف تنظر لك نظرة تخبرك بأنه ليس من حقك أن تنام جيداً ، ولا أن تبعد عنك تلك اليد التي تعتصر قلبك ، ولا أن تزيل المرارة العالقة في حلقك ، ولا أن تتعثر بمواسم فرح ولا أن تلقي بهم في "حياة" !
كيف تغدو إنسانيتك هشّة لهذه الدرجة ؟! حين تشكك في الحياة التي تقع بين موتين ! فيما لو كنت قادراً على حـياة ، على القيام بأشيائك الصغيرة التي تشعرك بالأمـان ..
كيف تكون إنساناً دون هذا الكمّ الهائل من الخواء في روحك ؟!
كيف تكون حياً رغم كلّ هذا الموت ؟!

لا يصبح للحديث معنى أمام الموت !
كأنك تهاود العمر بـ كومة أحرف ، بـ أرق لا نهاية له ، بغصّة كبيرة تعجز عن ابتلاعها ، وتعجز عن إخراجها لهذا العالم الذي يعبر من أمامك وكأنك خفيّ ! كأنّ قلبك لا يصدر صوتاً ، كأنّك "ميّت" !
تفاصيل الغياب تصبح ضباباً ! ويخبرك قلبك : احتياج آخر وستفقد القدرة على الرؤية ! ستبيض عيناك من الحزن ! ستضعك الحياة في مفترق طرق مقـزّز : أنت لا تستطيع الموت ، وهم لن يعودوا إلى الحياة !
أنت لا تملك إلا الحزن ، إلا أنّ حزناً آخر سيغسل قلبك من كلّ شيء وسيجعل ذاكرتك ضبابية ، فارغة إلا من قطع غيم لا تذكرك رائحتها بشيء بعد الآن !
لـ تدرك ، أنّ الموت لم يأخذ روحاً واحدة ! بل أنه سلبك إياه ، وسلبك ذاكرتك ، وسلبك حقك الإنسـانيّ البسـيط في أن تشعر بالحزن وتستلذّ بالبكاء المحبّ !


ولما يرحل إلينا وطن الأمنيات ، سأخبره أنّي أريد لهذا العالم أن يصمت !
أني أريده أن يلفّ على قلوبهم ثلجاً أبيض ، أن يزرع فيهم حيوات صغيرة تلقي في قلوبهم الفرح ، أن يتعثّروا بـ جنّة .. أن أتخلى عن الأشياء الصغيرة التي تنبض في قلبي ، ليكونوا بخير ..