الأربعاء، 25 مايو 2011

أدّيش كان في ناس ؟! *



هل تبلى ذاكرة الأماكن ؟!

تلك الصبيّة كانت تقف عمراً على نفس الطريق ، بحديث معطوب !
فاقدة القدرة على الحديث ، على سؤال أصدقائها عن ماهية القطع البيضاء التي تتنزل على ذلك الطريق وتذوب على أنفها .. عن الأشجار الطويلة التي يتخللها نور الشمس ، عن صوت العصافير التي لا نراها !
هي تريد ن تحدثهم عن الوجع الذي تشعر به يعصر صدرها ، لم يحدث معها ذلك رغم أنها طيبة ؟! ولـم هي "الوحيدة من بينهم" التي حين ترغب جداً في الحديث ، وتفتح فمها الصغير لا يحدث إلا أن يتجمع الدم في وجهها وتعجز ؟!تعجز أن تنطق ! تعجز أن تهدي الأصدقاء صوتها الحريري وتغني لهم ، تعجز أن تخبر أمها أنها بخير ، وأن عينيها حزينة فقط لأن الحكاية التي نسجتها في مخيلتها انتهت نهاية حزينة ! وأنّ كلّ من في تلك الحكاية آذى قلبه وخذل الآخرين ! وأنّ حكايتها الصغيرة اسمها "حياة" ، وأنّ كل من في تلك الحكاية يحملون أسماء تشبه أسماء أصدقاءها الذين لم يعودوا يعبرون الطريق الذي تقف فيه !

كتبت له ذات مرة : أحياناً أشعر بالسعادة لأني لا أستطيع الحديث ! لأني لا أملك القدرة على أن أبتسم في وجه الآخرين ابتسامة لا معنى لها وأخبرهم أني بخير ، بخير وفقط ! لأني لا أستطيع أن يفلت الحديث من شفاهي دون أن أخذلهم .. لأني ربما لـ فرط ما أتحدث ، لم أكن لأحتفظ بأصواتهم جيداً في قلبي ..


تلك الصبيّة لا تدرك أن ذلك الوجع يسكن في القلب لأنها غريبة ، وأن أصدقاءها لو عادوا ليعبروا العمر معها سيشفى قلبها ..
تلك الصبيّة لا تفهم إلا حـزنها ، ولا تخاف إلا موت أمها ، ولا تتمنى إلا أن تسمع صوتها تغـنّي !
تلك الصبيّة صارت تنام ليلاً على القلب الذي يوجعها ، تعصره بيديها حتى أحدثت في قلبها عمقاً آخر لا يمكن شفاؤه !

أخبرته ذلك الصباح : 

- ثقبت قلبي .. 
- وأنا فقدت قلبي ! 
- لو أننا نموت ! 
- ونعود إلى الحياة يوماً ؟! 
- من باب التغيير لا أكثر !



إن كان للأيام ذاكرة ،
ستخبرك أنها ذلك الصباح رأت ظلال أولئك الذين كانوا أصدقائها يعبرون بالقرب منها ، على الطريق الذي تنبت خلفه الأشجار الطويلة ، وتسكن فيها العصافير التي لم ترها يوماً .. عبروا على الطريق الذي كانت تسمع فيه أصواتهم ويرتعش قلبها المثقوب !
كـلّ ما في الأمر .. أنها ظنّت أنها فاقدة القدرة على الحديث !
ولم تدرك أنها تستطيع الكلام إلا حينما خرج صوت شعرت وكأنها تألفه جداً "وكأنه صوتها" : نطرت مواعيد الأرض ، وما حدا نطرني !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق